هكذا تكلم ابن عربي / د. نصر حامد أبو زيد
هكذا تكلم ابن عربي / د. نصر حامد أبو زيد
د. نصر حامد ابو زيد
الهيئة العامة المصرية للكتاب
ترجع أهمية فكر ابن عربي إلى أنه يمثل حالة نضج في الفكر الإسلامي في مجالاته العديدة، من فقه ولاهوت وفلسفة وتصوف، هذا فضلاً عن علوم "تفسير القرآن" وعلوم "الحديث النبوي" وعلوم اللغة والبلاغة... الخ. من هذه الزاوية فإن دراسته في السياق الإسلامي يكشف عن بانوراما الفكر الإسلامي في القرنين السادس والسابع الهجريين (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين). ومن زاوية أخرى؛ يمثل الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي همزة الوصل بين التراث العالمي والتراث الإسلامي، ومن هذه الزاوية يمكن النظر لتراث ابن عربي بوصفه تواصلاً حياً خلاقاً مع التراث العالمي الذي كان معروفاً ومتداولاً في عصره، سواء كان تراثاً دينياً، مسيحياً أو يهودياً، أو كان تراثاً فلسفياً فكرياً. وهذا ما يتضح من إصراره على استخدام مصطلحات متنوعة للدلالة على مفهوم واحد.
ولكن أهمية ابن عربي كهمزة وصل لا تقف عند حدود استيعابه للتراث الإنساني وتوظيفه له في إقامة بنائه الفكري الفلسفي الشاهق، بل تتجاوز ذلك إلى المساهمة في إعادة تشكيل التراث الإنساني بالتأثير فيه تأثيراً خلاقاً بالدرجة نفسها. ويمكن للتدليل على ذلك العودة إلى دراسات المستشرق الياباني توشيكو إيزوتسو عن "ابن عربي والتاوية"، وكذلك دراسات المستعرب الإسباني آسين بلاسيوس عن تأثير كتابات ابن عربي في ريمون لول وتأثيره في دانتي اليجيري مؤلف "الكوميديا الإلهية". أما استيعابه للتراث الإسلامي السابق عليه وتأثيره في التراث التالي له فهو أوضح من أن يحتاج إلى استدلال، وتتبدى أهمية قراءة ابن عربي للتراث السابق عليه في أنها قراءة ساهمت في بلورة كثير من المفاهيم والتصورات التي كانت مضمرة في كتابات السابقين