الأعمال الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران العربية
الأعمال الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران العربية
قدم لها وأشرف علي تنسيقها : ميخائيل نعيمه
دار صادر - بيروت
هارد كفر
تذكر الأمم برجالاتها العظام الذين كتبوا أمجاد بدموعهم وتضحياتهم، فإذا ذكرت بريطانيا ذكر شكسبير، وإذا ذكر شكسبير ذكرت بريطانيا، وإذا ذكرت الأمة العربية ذكر المتنبي، و إذا ذكر المنبي، ذكرت الأمة العربية، ولهذا فإذا ذكر جبران خليل جبران ذكر لبنان، وإذا ذكر لبنان ذكر جبران في المحافل الدولية.
طار جبران وسما وارتفع في أجزاء الفضاء عالياً عالياً، وبغيته السما الأعلى والنجم الأسمى، ولكن لسوء حظه أصابته شواظ شياطين ثقافة الغرب المادي، رغم اشمئزازه منها، فهوى سريعاً إلى الأرض، ولو أدرك السماء الأعلى لكان عبقرياً عالمياً يتخطى كل الحدود. وسبب ذلك أنه لم يلطع على القرآن الكريم ليغرف من معينه لإلهي والروحي: ولو فعل ذلك لكتب له الخلود في الأرض قاطبة على مر الأجيال والدهور، وهذا لا يضيره فهو لا يزال ملهم لبنان وبنيه بنبوغه وعبقريته.
اضطلع جبران برسالة اجتماعية إصلاحية غايتها بناء مجتمع مسالم تسوده العدالة والحب، فحمل بكلتا يديه مطرقة الهدم وراح يحطم كل ما واجهه دون رحمة ومهادنة، يحمله الحماس ويطير به الأمل. عمل على جعل الحب دينه وأسمى غاياته، ولم يلتفت إلى ما سوف يؤول إليه هذا الحماس المفرط من تشقق المجتمع وتفكك عراه، كما حصل في الغرب ويحصل الآن في مجتمعاتنا، فأدى ذلك إلى التفلت والانفلات الأخلاقي.
تنازعت جيران ثنائية لا تلتقي أبداً برأيه على صعيد الواقع، فالموت والحياة والفقر والغنى، والشقاء والسعادة. وهو لم يحاول العثور على نقاط التلاقي بين هذين العنصرين من عناصر الحياة الملاتزمة، فالمرء لا يعرف طعم الحياة إلا بطعم الموت، ولا يعرف طعم الغنى إلا بتجره غصص الفقر، ولا يتذوق طعم السعادة إلا بعد ابتلاع لقم الشقاء. والسر في ذلك أنه لم يستوعب فكرة التكافل الاجتماعي الذي كفلته الفلسفة الاقتصادية الإسلامية القائمة على نظامي الصدقة والزكاة، فلو عثر على نقطة الاتفاق هذه لساد المجتمع الذي يدعو إليه جبران روح الحب والسلام بين الغني والفقير والسعادة والشقاء والحياة والموت، ولما وجد من يحمل عليه ويتهمه بالكفر والإلحاد، وهو النصراني المؤمن حقاً.