العقل والوحى .. منهج التأويل بين ابن رشد وموسى بن ميمون وسبينوزا / أشرف منصور
العقل والوحى .. منهج التأويل بين ابن رشد وموسى بن ميمون وسبينوزا / أشرف منصور
العقل والوحى .. منهج التأويل بين ابن رشد وموسى بن ميمون وسبينوزا / أشرف منصور
دار رؤية
إذا كانت العلاقة بين الفلسفة والدين في ديار الإسلام قد تنوعت بين الصدام والتعايش السلمي ومحاولات الاستيعاب المتبادلة، فإن أهم ما يميز التراث الفلسفي الإسلامي هو محاولته استيعاب الدين بعقليته وبتقديم تفسير عقلاني الظواهر الدين الأساسية مثل الوحي والنبوة والشريعة، فبدلاً من الصدام مع الدين والذي تخرج منه الفلسفة خاسرة دوماً، حاول فلاسفة الإسلام استيعاب الدين بضمه إلى رؤية فلسفية أكثر شمولاً للكون والألوهية ولموقع الإنسان في الكون وعلاقة الإله بالعالم وبالإنسان.
فإذا كانت الرؤية الدينية التقليدية تنظر إلى الوحي على أنه ظاهرة فوق طبيعية غير عادية لا يمكن تفسيرها بالعقل، فإن مأثرة الفلسفة الكبرى في ديار الإسلام هي محاولة الخروج عن هذه النظرة الماورائية العجائبية الغيبية للوحي وتقديم تفسير عقلاني له وللنبوة، وبدلاً من أن تكون النبوة موضوعا للتقديس والإجلال وحسب، وبدلاً من أن يكون الوحي من العجائب الغامضة غير المفهومة ويكون موضوعاً للإيمان وحده، صارت النبوة والوحي والنص الديني موضوعات للدراسة، وانتقلت هذه الموضوعات على أيدي فلاسفة الإسلام من مجال الغيبيات إلى مجال التفكير العلمي المنضبط منطقيا ومنهجيا. وقد كان هذا الاستيعاب والاحتواء العقلاني للدين تحديا كبيراً أمام فلاسفة الإسلام، وعندما حققوه صار الإنجاز الأكبر لهم. هذا الاستيعاب/ الاحتواء العقلاني للدين تجسد في نظريات فلاسفة الإسلام في النبوة: نظريات الفارابي وابن سينا وابن رشد، ولم يكن موسى بن ميمون، أهم وأشهر فلاسفة اليهود في العصور الوسطى على الإطلاق سوى تلميذ ذكي ونجيب لفلاسفة الإسلام الثلاثة العظام. وقد بلغت نظرياتهم العقلانية في النبوة حداً من القوة والتأثير نراه يمتد إلى عصر الحداثة الأوروبية ويظهر واضحاً لدى سبينوزا أول الفلاسفة التنويريين، وواضع البذرة الفكرية الأولى لعصر التنوير وللحداثة الفكرية الأوروبية.