علي بن ابي طالب شهيداً
علي بن ابي طالب شهيداً
علي بن ابي طالب شهيداً
عبد الله خليفة
رياض الريس للكتب والنشر
شخصية تاريخية في المتخيل السردي
تتناول رواية علي بن أبي طالب شهيداً للروائي البحريني عبد الله خليفة فترة من التأريخ الإسلامي وسير رجاله غمضت تفاصيلها على الكثيرين، ولم يقتصرالغموض، وأختلاف الروايات على الناس العاديين فقط بل غمضت حتى على الباحثين في شؤون تلك الفترة.
وبالرغم من الكرازيما التأريخية المشعة، لشخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، التي تناولتها الرواية، وبالرغم من مهارات الروائي الروائية، المشهود له بها، ولغته المؤدية، فقد كتب من قبل رواياته المهمة محمد ثائرا، رأس الحسين، التماثيل، ذهب مع النفط، الأقلف، الينابيع، وغيرها من الروايات والمجموعات القصصية.
إلا أنه في هذه الرواية ظل مغلول القلم، لأنه تعامل مع شخصية كبيرة لا تحيط بها الكلمات، وكان الروائي حائراً لا يعرف من أي جهة يتناول هذا الطود الشامخ.
بسبب سعة أبعاد شخصية الإمام علي، وقوة تأثير سيرته في صنع التأريخ إلى يومنا الحالي، وهكذا شخصية مؤثرة تدخل على العمل الروائي ستحيله حتماً إلى سيرة، مهما أجتهد الكاتب في جعلها كما يريد رواية، تحتمل أحداثها الخيال، والإبداع الأدبي.
مجازفة كبرى
لقد خاض الكاتب بحراً غائر الأعماق، واسع الضفاف، كثير المخاطر، مملوءاً باللؤلؤ والمرجان، والأحجار الكريمة، والأمواج الخطرة، والأسرار، وبأختياره شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ليكتب عنها فإنه أختار الطريق الأصعب في كتابة الرواية.
فهي أولاً وأخيراً مجازفة كتابية كبرى، لا يجرؤ على الكتابة في شؤونها إلا قلة من العارفين في تأريخ الدعوة الإسلامية، والمتابعين لحيوات أوائل الدعاة إلى التوحيد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقدم على هذا العمل إلا أديب كثير الجرأة واسع الثقافة تجشم عبور المصاعب والمزالق الخطيرة.
ولا تهمه في قول كلمة الحق لومة لائم، وكتابة من هذا النوع، فإنها إمّا ترفع كاتبها إلى ذرى الإبداع أو تطيح به إلى مهاوي اللعن والرجم من قبل كثيرين.
لقد وضعنا الروائي منذ الصفحات الأولى للرواية إمام إشكالية حقيقية، هي قرب الإمام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ طفولته، وألتصاقه به، فهو قد كبر في بيت الرسول، وتعلم منه، مما جعل له الكرازيما الدينية والحياتية، المعروفة لنا على مر التأريخ.
وربما ما طرحه النص وما هدف إليه، ويمكننا ان نتناوله كثيمة رئيسية للأحداث، هو ما جاء في بداية الرواية التي يقول فيها منذ كان فتى وهو يقاتل، منذ أن ضحك القريشيون عليه، وهو يرد على النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل متصفحاً الوجوه بين عصبتهم من معي ؟ فهتف هو أنا معك ص8
سيف مسموم
فالثيمة الرئيسة في الرواية تتناول هذا الجانب العقائدي والحياتي لشخصية الإمام علي عليه السلام من خلال قوله أنا معك يا رسول الله وهذه المعية هي التي رسمت بقية حياة الإمام في الحياة والرواية.
وما أسبغته على شخصيته من رضا البعض، وحسد الآخرين، الذي تحول إلى بغض وعداوة، والرواية تتناول في خمسة وستين فصلاً حياة الإمام علي منذ طفولته وحتى أستشهاده، بضربة غادرة من سيف مسموم لأبن ملجم أثناء تأديته لصلاة الفجر في مسجد الكوفة خلال شهر رمضان من عام 40 هجرية، بعد أن أغرته قطام بالزواج منها وطلبت أن يكون دم علي عليه السلام مهرها.
وهذه القطام من الخوارج امتلأت بروح العداوة للإمام علي عليه السلام بسبب فقدها لأخيها وأبيها في معركة النهروان، التي خاضها جيش الإمام ضد الخوارج، الذين خرجوا على جيشه بعد التحكيم أثناء معركة صفين ضد جيش معاوية بن أبي سفيان والي دمشق في ذلك الوقت.
وتعددت قراءات الروائي عبد الله خليفة لشخصية الإمام في رواية شهادته، وذلك من خلال، نثر بارع وجمل قصيرة مؤثرة، ووصف شييء، ذكرنا بعين الكاميرا، التي تنقل الأحداث، وما يدور في المدن والبوادي والمداشر من خلال فصول نثرية قصيرة كتبت بروح الشعر.
الفتنة
ومن هذه القراءات، نقرأ الإمام كفدائي يحمي رسول الله بالنوم في فراشه ليلة هجرته المشرفة إلى المدينة المنورة، وأعتماد الرسول عليه صلى الله عليه وسلم برد أمانات أهل مكة، التي كانت مؤمنة لدى الرسول الكريم لهم قبل هجرته.
وهي قراءة مستقبلية لحياة الإمام عليه السلام كأمين على عقيدة المسلمين وأموال الناس، لأنه جعل حياته فداء لرسول الله أو بمعنى آخر جعل نفسه فداء للدين الاسلامي من خلال فدائه لحياة الرسول وصار أميناً على أموال الناس، أي على حياتهم الدنيوية، التي تركها الرسول صلى الله عليه وسلم في عهدته.
يمر على هذه القراءات من خلال حوار أو سرد أو يرد تضمينا في الرواية، ويقرأ ما عاشه الإمام من ظروف أجتماعية وثقافية وتأريخية مختلفة قبل الهجرة وحتى نهاية العقد الرابع الهجري.
ونقرأ في تلك الفترة ظروف الفتنة إلتي أدت إلى أستشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأرسال الإمام علي عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام للدفاع عن عثمان رضي الله عنه، وأجتماع المسلمين على مبايعة الإمام علي خليفة للمسلمين بعد تمنع منه على قبولها.
ورسم الروائي بالكلمات المؤامرات والدسائس التي حيكت في المدينة المنورة لخلق الفتنة بين المسلمين بعد أستشهاد الخليفة الثالث، فيقول قال بن عامر نعم ، نعم ولكن من نحن؟ نريد وجوها كبيرة من الصحابة، يثيرونها معنا، ودون معاوية والزبير بن العوام وطلحة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، فلن تستعر النار ص31
الحكم والمال
وتقع حرب الجمل، وبعد ذلك حرب صفين بين معاوية الطامح بالخلافة وعمر بن العاص من جهة وجيش الامام علي عليه السلام، ويؤكد الكاتب عدم تكفير الإمام لخصومه، وأعتبرهم مجرد عصاة لحق طاعة أمير المؤمنين.
ويستخدم الروائي تقنيات المنللوج والدايلوج بمهارة، وينتقل من رسم أجواء المعارك، وما يدور فيها إلى ما يدور في خيام المحاربين ليلا من أحاديث، وينتقل بالقارىء إلى مدن البصرة ودمشق والكوفة، لينقل له من خلال أزقة هذه المدن وحواريها ما يدور على لسان العامة من أحاديث وتعليقات.
ولا تهدأ المؤامرات في مختلف أنحاء الجزيرة العربية والشام، والعراق منذ تولي أمر المسلمين الإمام علي عليه السلام، ويحلل الروائي أسباب ذلك على لسان أحد أبطال الرواية الناس لن يكونوا مع علي، الناس تافهون، متكالبون على المال، ينشدون للصلوات، يصومون بصبر، لكنهم عبيد للثروة والحكم ص173
وقد سأل رجل عليا كرم الله وجهه ما بال المسلمين أختلفوا عليك، ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فقال لأن أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلي، وأنا اليوم وال على مثلك.
وما قاله الإمام واضح لا يحتاج إلى تفسير كثير، أن الوازع الديني عند الناس ضعف، وتكالبت النفوس على المغانم، وطمحت إلى السلطة، والحكم من أجل جمع المال، والتمتع بمباهج الحياة.
الغياب
لقد تشابكت المصائر في الرواية جهينة، عمار بن ياسر، الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، الأشتر والي مصر وأحد أصحاب الإمام علي، الذي سُمم في البادية ومات قبل أن يصل مصر، لتقع مصر غنيمة سهلة بيد عمر بن العاص ويصير واليها.
ويذهب والي البصرة عبد الله بن عباس في أوج فتنة الخوارج إلى الحج، تاركا المدينة للمتآمرين، أمثال بن ملجم وجماعته لتعيث في المدينة، وتؤلب الناس على عصيان الخليفة الشرعي.
نقلت الرواية بمنللوج طويل ما كان يفكر فيه الإمام علي عليه السلام عقب إصابته يفكر كيف أنه قاوم كل هذه السنين وسار مسافات شاسعة في فجاج الأرض، والعمل والعلم، ولم يزالوا بعد لا يقرأونه ؟ ثم غاب 268 ص، وهو الفعل الأخير الذي أختتم به الكاتب روايته، وهي خاتمة في غاية الرمزية والروعة، تليق بشخصية كبيرة كشخصية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
ويروى أن الحسن عليه السلام صبيحة تلك الليلة خرج ينعى للناس خليفة المسلمين أيها الناس انه قتل فيكم رجل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعثه، فيكتنفه جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا ينثني حتى يفتح الله له . وما ترك لأهله غب أستشهاده إلا ثلاثمائة درهم .
روي أن معاوية سأل ذات مرة ضرار الصدائي أن يصف له علي بن أبي طالب، فقال الصدائي تتفجر الحكمة من جوانبه والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير العبرة، طويل الفكرة.
يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب كفيه على ما مضى، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، وأشهد لقد رآيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته.
يتململ تململ الملدوغ، ويبكي بكاء الحزين، ويقول يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت أم إليك تشوقت، هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية، وقال رحم الله أبا الحسن، فوالله لقد كان كذلك