الكتابات الذاتية : المفهوم - التاريخ - الوظائف والأشكال - توماس كليرك
الكتابات الذاتية : المفهوم - التاريخ - الوظائف والأشكال - توماس كليرك
توماس كليرك
ترجمة : محمود عبد المغنى
دار أزمنة للنشر والتوزيع
عن دار أزمنة للنشر والتوزيع كتاب الكتابات الذاتية: المفهوم، التاريخ، الوظائف والأشكال لمؤلفه توماس كليرك وقد قام بترجمة الفصلين الأولين الشاعر والمترجم المغربي محمود عبدالغني الذي أكد في تقديمه للكتاب أنه مرافعة نظرية من أجل قول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، في التصاق تام بقضايا السيرة الذاتية وما تطرحه من رؤيات وبنيات نصية في معرض تقديمها لصورة الذات والآخر .
كتاب الناقد والباحث الفرنسي توماس كليرك ضم في الأصل ثلاث مباحث أساسية:
ہ الكتابة الذاتية: إشكالية المفهوم والتاريخ.
ہ أشكال ووظائف الكتابات الذاتية.
ہ كيف نحلل الكتابات الذاتية.
وقد اعتبر المترجم محمود عبدالغني الفصل الأول مدخلا نظريا هاما مطبوعا بالفهم الدقيق لجنس السيرة الذاتية نصا وتاريخا إضافة الي ارتكازه النظري علي ما يمكن تسميته بالثقافة النظرية لصنوف الأدب الذاتي بالتالي لا ينفي المترجم الحس الديداكتيكي علي هذا الفصل الذي كرس من خلاله توماس كليرك جهده لإضاءة السيرة الذاتية.
ويعود الدافع الي ترجمة فصلي هذا الكتاب الي الفقر النظري والنقدي الذي يطبع تلقي السيرة الذاتية في الأدب المغربي والعربي فإضافة الي قلة الإصدارات في هذا الباب، تظل الرؤية العالمة لهذه النصوص مرتبطة بمبدأ الاستصغار الجمالي، وقد أكد المترجم محمود عبدالغني أن فصلي الكتاب الأول والثاني يعتبر ان مرافعة شيقة عن مفهوم، تاريخ، أشكال ووظائف الكتابات الذاتية التي بقيت طيلة تاريخ الأدب معرضة للإدانات الأدبية والثقافية والدينية .
الكتابة الذاتية:
إشكالية المفهوم والتاريخ
ينطلق توماس كليرك من المفهوم الإشكالي للمصطلح، فهو يعتبر أن السيرة الذاتية مفهوم ملتبس، ليقدم جردا يتأمل من خلاله ولادة وتطور المفهوم، فالوجود الكلي لـ السير ذاتي يقدم مفهومين استطاع توماس كليرك تحديدهما في اعتبار السيرة الذاتية جنسا أدبيا، والسيرة الذاتية قادرة أن تتحدد كنموذج للقراءة بطبيعة النصوص .
يستخلص توماس كليرك أن المصطلح يطرح مشاكل، ما دام يتم خلطه بفكرة عامة جدا عن الأدب، ورغم جدة وحداثة هذا الجنس الأدبي إلا أن التأمل النظري كان موجودا حتي قبل اجتهادات فيليب لوجون، ولو أنه بقي محصورا في دراسات ذات طبيعة موضوعاتية أو تاريخية لكن تحديد فيليب لوجون الذي أمسي كلاسيكيا تحديد يكشف أهمية تاريخية.
ويتابع توماس كليرك تدقيق هذا التحديد مع إدخال التصحيحات التي وردت عند لوجون نفسه، ولعل أولها أن السيرة الذاتية حكي تمنح لذة شبيهة بلذة الرواية الكلاسيكية حيث يتناوب السرد والوصف، والمشاهد والتحليلات، البورتريه والتحقيقات بالتالي لكلمة حكي معني يضعها كمقابل لـ الرواية مع اختلاف الحس التخييلي الغائب في الأولي. وإضافة للحكي فهي فعل استرجاعي والطابع الاسترجاعي للسرد يشكل إحدي مفاتن الحكي السير ذاتي .
النقطة الثالثة هي النثر والتي تشكل علاقتها مع السيرة الذاتية نقطة تقاطع أخري مع الرواية، ويعتبر توماس كليرك السيرة الذاتية أكثر من جنس أدبي إنها نمط من الخطاب ، لكنه يتساءل في تثبيته لهذا المفهوم عن الحد لملاءمته، ما دام سؤال الهوية السردية يظل مطروحا، واعتبارا أن السيرة الذاتية جنس أدبي مرجعي فإن اختلافها الجوهري عن التخييل يمر عبر الإحالة علي ضمير متكلم ملموس وليس علي شخصية متخيلة ، مما يفرض اعتبارات حاسمة في عملية تلقي الأدب.
لكن ثمة صعوبات يطرحها توماس كليرك حول عملية التلوين الذاتي ويقترح خلالها قراءة النص الموازي كإسم علم مؤسس، كما أن اعتبار السيرة الذاتية جنسا أدبيا له قصد مرجعي ولعل هذا الميثاق كفيل بفهم طبيعة الميثاق الثالث الذي يتمثل في مشكل الحقيقة.
إن المرجعية وتطابق السارد ـ المؤلف ـ الشخصية الرئيسية إضافة للحقيقة التي تتخذ عدة أشكال. لكن، انطلاقا من أي تاريخ يمكن أن نبدأ الحديث عن السيرة الذاتية؟ إن توسع الكتابة الذاتية كشكل عام لمركزة الفرد في ذاته ، ولعل إصرار توماس كليرك علي جرد ومناقشة هذه المنظورات المختلفة والمرتبطة أساسا بالسيرة الذاتية جعله يتجه لمختلف الانتقادات التي وجهت لهذا الجنس الغير تخييلي كمقولة العجز الجمالي، ويفرد الباحث بابا لهذه الانتقادات التي أطر مرجعياتها داخل النقد الفكري والايديولوجي والنقد الجمالي.
الكتابات الذاتية: أشكال ووظائف
يعتبر توماس كليرك الكتابة الذاتية أوسع وأشمل من السيرة الذاتية وفي دراسته لأشكالها ووظائفها تأكيد لأحقيتها الأجناسية الأدبية وفي وظائفها المتعددة تمظهر لهذه المقولة، من خلال الطرق التي تضيء هذا الفعل الأجناسي متمثلة في قول الصدق، جعل الخطاب ممكنا بحكم التركيز علي قول الحقيقة التي تعتبر أفضل وسيلة لاستضافة القارئ ومن مظاهرها أيضا وظيفة فضح الأوهام، وبعدها الخطابي وقهرها للزمن.
إن معرفة الذات هي أحد الأهداف الرئيسية المتبعة من طرف الكاتب لكتاب السيرة الذاتية. وتمثل وظيفة التواصل بعدا آخر يفيد في إيصال التجربة الخاصة الي الآخر، ويركز توماس كليرك علي دور القارئ كبعد بلاغي وتحديد قانوني للنص .
ويختتم الفصل الثاني بتحديد مختلف أشكال الكتابة الذاتية رغم أنها لا تستجيب جميعها لنفس أنماط الكتابة، ويركز توماس كليرك هنا علي المذكرات، اليوميات، والتخييل الذاتي. وإذا كان الشكل الأول قد اعتبره مالرو مذكرات مضادة بحيث اعتبر السيرة الذاتية ركام بئيس من الأسرار ، فإن اليوميات journal intime هي نصوص موضوعية في المظهر ، الشكل الثالث اعتبره الباحث مزجا بين السيرة الذاتية والتخييل.
عموما يشكل كتاب توماس كليرك الكتابات الذاتية: المفهوم، التاريخ، الوظائف والأشكال والذي قدمه الي اللغة العربية الشاعر والكاتب محمود عبدالغني مدخلا عميقا لإعادة إضاءة هذا الجنس المثير للجدل الذي هو السيرة الذاتية