فيفالدى - ميخائيل شتيجيمان

كان أنطونيو فيفالدي من أكثر مؤلفي وعازفي إيطاليا براعة وخصوبة في زمانه، ويلاحظ من يقرأ سيرته قلة المصادر المتوافرة تحت تصرف من يتصدى لتناول قصة حياته وأعماله، لقد أطلقوا عليه لقب الراهب الأصهب، أو الراهب ذي الشعر الأحمر، لأن حمرة الشعر ظاهرة نادرة بين الإيطاليين الذين يتصفون عادة بالسمرة وسواد الشعر والعينين، من هنا كان اللقب والتصاقه بالمؤلف، أما الرهبنة فلم يلج فيفالدي أبوابها تديّناً، بل لما كانت توفره في زمانه لمن يلتحق بها من مكانه وسمعة، كما لم يكن سلوكه مستغرباً من هذه الناحية، لما اتصف به سلوك الرهبان بصفة عامة في البندقية في تلك الأيام من تسيب.

كان فيفالدي عازف كمان بارعاً، بل فائق البراعة، وألف أنساقا مختلفة مع الموسيقى كالأوبرا والمقطوعات الآلية والموسيقى الدينية، ولكن أهم ما اتصف به تطويره لنسق الكونشرتو الآتي من براعة وجرأة وحس مرهق وقدرة مذهلة على الابتكار، فكان يستخدم مثلا في المقاطع السريعة مواضع ذات خصائص لحنية وإيقاعية مميزة، فيبرز تقابل الآلة المنفردة ومجموع الآلات.

أما في المقاطع البطيئة، كما يوضح ميخائيل شتيجميان في كتابه عن «فيفالدي» - فكان يقوم بتخفيف المصاحبة الوترية حتى تتحول إلى مجرد غلالة شفافة يكاد ألا يتبينها المستمع، بل تتلاشى أحيانا فلا يبقى منها سوى الباص المتصل، الأمر الذي كان يسمح بإبراز عظمة اللحن، لقد كرس الراهب الأصهب جزءاً لا يستهان به من حياته الفنية، في اكتشاف توليفات لحنية وهارمونية جريئة وجديدة، والتوفيق بين آلات مختلفة، كان بعضها لا يستعمل كثيراً أو غير مألوف كالمندولين والترومبا مارينا، ويبلغ عدد كونشرتاته حوالي 550 كونشرتو، ويكفيه فخراً إعجاب عميد موسيقى الباروك الألماني يوهان سباستيان باخ بموسيقاه.

إن ابتكارات فيفالدي والجوانب التصويرية من موسيقاه كالفصول الأربعة وعاصفة على البحر وغيرها، تضع فيفالدي في مصاف رواد التوزيع الأوركسترالي، إذ لم يسبقه أحد في الاهتمام بلون ونوعية لحن كل آلة واستخدام الآلات مع بعضها أثناء انسياب العمل بهذه الصورة.