هيجل وعصره / ا. د. إمام عبد الفتاح إمام
هيجل وعصره / ا. د. إمام عبد الفتاح إمام
لماذا “هيجل… وعصر” ولماذا لا يتم الحديث عن فلسفه هيجل مباشرة؟ والإجابة بكل بساطة هي أن الحديث عن فلسفة هيجل مع إستبعاد عصره، هو، في الواقع عمل أبعد ما يكون عن “الروح” الهيجلية ذاتها، ذلك أن هذا الفيلسوف يربط بين الفلسفة والعصر الذي ظهر فيه برباط وثيق.
فهو يقول في “تاريخ الفلسفة” تحت عنوان “الفلسفة تنتمي إلى زمانها”: “إذا سلمنا بذلك (بأن كل فلسفة هي مرحلة جزئية في تطور المسار كله) – فسوف يكون الطريق السليم لفهم الفلسفة هو التعرف على مكانها في التاريخ، بحيث لا نطلب منها، ولا نتوقع أن تعطينا أكثر مما فعلت، ولا يجوز أن نطلب منها، ولا نتوقع أن تعطينا أكثر مما فعلت، ولا يجوز أن نطلب منها إشباعاً لا يمكن تحققه إلا معرفة أكثر تطوراً، فكل فلسفة هي كذلك، لأنها تعرض عصراً معيناً من عصور التطور فهي تنتمي إلى زمانها، وتجد نفسها محصورة داخل حدود هذا العصر، فالفرد ابن شعبه وعالمه، وهو لا يستطيع أن يتجاوزها”.
كما يقول أيضاً في “فلسفة الحق”: “إن مهمة الفلسفة لتنحصر في تصور ما هو كائن ليس إلا العقل نفسه، ولو نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر الفرد لرأينا أن كلاًّ منا هو ابن عصره، وربيب زمانه، وبالمثل يمكن القول عن الفلسفة أنها عصرها ملخصاً في الفكر، وكما أن من الحمق أن نتصور إمكان تخطي الفرد ولزمانه، فإنه من الحمق أيضاً أن نتصور إمكان تجاوز الفلسفة لزمانها الخاص”…
وهكذا بالإمكان القول مع “والتركوفمان” أن الباحث لا يستطيع، في الواقع، أن يفهم فلسفة هيجل تماماً، ما لم يكن على علم بحياته وعصره، وليس ثمة في التاريخ سوى فترات قليلة مشحونة بالأحداث على هذا النحو، وتلك هي نفسها فكرة هيجل التي عرضها في تصديره “لفلسفة الحق” – ولعل هذا هو السبب الذي جعل، رودلف هايم يكتب عن هيجل وعصره عام 1857، كما جعل جاك دونت يكتب عن “هيجل في عصره” برلين 1818- 1831 (عام 1968) وأن اقتصر على الفترة التي قضاها هيجل في برلين فحسب، وأما بالنسبة لخصائص العصر الذي عاش فيه هيجل – فبإستطاعتك أن تقول مع “هاريس” أن عصر هيجل هو عصور الثورة الفرنسية ونابليون، أو كما قال جورج لوكاتش “إن عصر هيجل هو عصر التنوير…” أو كما قال د. بدوي أن عصر هيجل هو عصر التوحيد الكلي الذي تمثل في السياسة، في الثورة الفرنسية الداعية إلى المساواة بين جميع الناس في كل أرجاء الأرض… أو كما بإستطاعتك القول بأن عصر هيجل هو عصر كانط وثلاثية النقد التي أحدثت ثورة في الفلسفة هي “الثورة الأبستمولوجية”… وبإستطاعتك أخيراً القول أنه عصر الرومانسية، “والرومانسية” هي الإسم الذي يقال على الحركة المضادة لتيار عصر التنوير – وقد تأثر هيجل بها معاً: إذا كان عصر التنوير يفاخر بنزعته الدنيوية، فإن الرومانسية رسمت صورة رائعة للدين… إذا كان عصر التنوير ينكر الماضي ويقبل على المستقبل، فإن الرومانسية تختفي أساساً بالماضي وتمجده